متاهات اخلاقية بيروتية

الأحد صباحاً. تمنعت عن مشاريع عدة، بحراً وجبلاً بسبب العمل المتراكم. على الرغم من حرارة ورطوبة صباح آب، انا في منزلي وفي نيتي العمل. انا في منزلي ولكن منزلي بدون كهرباء. ليس انقطاع الكهرباء في موعده وقد تعدى الثلاث ساعات التي اعتدناها. كما الأحد الفائت. بل كما الجمعة، السبت، والأحد الفائت - ثلاثة ايام دون مصعد (ومنزلي في الدور السادس)، دون ماء لأن مضخة الماء تحتاج للكهرباء لتصل الى الطوابق العلوية. دون كهرباء اي دون انترنت، وبطارية كمبيوتري المحمول قصيرة العمر. هذا منزلي، فما رأيكم حال صاحب الدكان في المبنى وبراده الممتلئ بالمثلاجات التي ان ذابت ذهبت بكل ارباح شهره؟

ذهبت الى المقهى القريب، حيث تربطني بالعاملين صداقة عمرها من عمر ساعات الكهرباء المفقودة في منزلي. في المقهى دفعت ثمن الكهرباء والانترنت عبر فنجان قهوة يفوق سعره سعر دزينة في منزلي. حين عدت الى المنزل حوالي السابعة مساءً، كانت الكهرباء قد تنعمت على بعض سكان المبنى دون غيرهم. السبب؟ علي ان اخوض هنا بواحد من آلاف مشاكل الكهرباء في لبنان: تغذي منطقتنا كما اغلب المناطق في لبنان، ٤ خطوط كهرباء (٣ حامي و١ بارد، ان اردتم التفاصيل). احد هذه الخطوط معطل اليوم (كما الأسبوع الماضي)، و صادف ان بيتي كما بيوت بعض الجيران متصل بالخط المعطل. لكن الحل بسيط، ما علي الا ان اطلب من احد "المطّلعين كهربائيا" ان يعيد وصل خط منزلي الى احد الخطوط العاملة. "سهلة"، كما قال ابو طلال:
مزنه: اوكي، بس ما بيعمل مشكلة هيدا الشي؟
ابو طلال: ابداً، غيرت الخط لباقي الجيران

مزنه: بس ما بيصير في ضغط على الخط اللي منعلق عليه، وبيرجع بيتعطل اسبوع الجاي؟

ابو طلال: يمكن، بس شو بدك تعملي، بتضلي بلا كهربا؟ بعدين هلق فرقت عخطك؟
فعلاً، "فرقت عخطي"؟ الليل ما زال في اوله، والعمل كما حر الليل دون مكيّف بانتظاري. هل يشكل قراري الفردي باحترام النظام فرقاً؟ هل ان التزمت ستتغير حال البلاد والعباد وان بعد عام عامين او عشرة؟ للعلم:

- جابي الكهرباء وصل الى بيتي اليوم. ودفعت له ١١٧ الف ليرة لبنانية، اي حوالي السبعين دولار امريكي، وانتظر فاتورة اكثر اهانة لجيبتي في اشهر الصيف الحارة التي اتنعم خلالها بالمكيف. وانا لم اتمنع يوماً عن دفع فاتورة الكهرباء -رغم كل مشاكلها وانقطاعها.
- لم اتأخر يوماً عن دفع الضريبة البلدية - وان كانت البلدية حفرت شارع منزلي ما لا يقل عن الأربع مرات في عام واحد، وورشات الاعمار في الحي تستمر باقلاق نهاراتي بضجتها، وشارع المنزل بالخراب الذي تسببه دون اي رادع "بلدي".
- لا اخالف القانون في قيادتي، فاحترم اشارة المرور، واتجاه السير - وان كانت السيارات تتخطاني، فابقى وحدي كما فيروز، "على مفرق" اشارة. وان كان ذاك الذي تخطى الاشارة الحمراء وصدم سياراتي بسيارته ذات الدفع الرباعي، يقود يومياً دون مخالفة وانا سيارتي تنتقل من ميكانيكي الى آخر منذ شهرين.
- لا ارمي النفايات في الشارع، ولا حتى اعقاب السجائر - وان كانت نفايات المدينة مجتمعة (وخاصة تلك التي تقيم في مكب صيدا) تذهب في رحلة بحرية كلما ضاقت بها السبل.
- اقاطع بضائع الشركات التي اعارضها اخلاقياً (ونستله من ضمنهم طبعاً)، وان كنت لا اعرف اين تستثمر البنوك اللبنانية اموالنا واذا كانت تدقق باخلاقية استثماراتها.

ادّعي اني مواطنه صالحة، قمت بواجبي الانتخابي نيابياً وبلدياً في كل انتخابات من ١٤ عاماً (وان بورقة بيضاء)، واشارك، بل انظم المظاهرات والتحركات في المناسبات المصيرية. لكن العمل وحر الليل بانتظاري.. هل علي ان اكون دون كيشوت في وكل لحظة و لكل قضية؟

الحل؟ تقنياً، على عاملي شركة الكهرباء فحص الخطوط في منطقتنا، لمعرفة اياها محمل فوق طاقته، واعادة توزيع الحمل لضمان عدم حصول اي اعطال أخرى. على الشركة ان تضمن لنا خدمة تصليح الخط المعطل ولو في ايام الإجازات والآحاد. وعلى المدى البعيد، على نوابنا الأعزاء، محاسبة الشركة، وسارقيها من سلطاتنا، على سوء حال الكهرباء في هذه الكيلومترات التي نقيم عليها. ونحن، علينا ان نحاسب نوابنا ومن يدعي تمثيلنا.. على الاقل على نظام الصيانه في شركة الكهرباء مثلاً، لكي نتمكن من التمنع عن العبث بغرف الكهرباء.

لمن ما زال يتسائل، انهزمت البارحة، وربح ابو طلال. وصلت الكهرباء في منزلي بالخط العامل وان مع بعض الغصة.
هزائم صغيرة وتنازلات صغيرة، لكن يومية. ولكتي فعلاً، وبدون ادنى شك، ما زلت احلم بمجتمع صحي، بسلطة تدير شؤوننا دون فساد، بالعدالة وحكم القانون، وبفلسطين حرة


10 comments:

Unknown said...

nice piece muzna.. some two weeks ago we had the same problem in our building in 'beirut al idariya', where technically there isn't supposed to be any power failures at all.. (not that I believe in privileging a neighborhood, but that was what I was told when I was renting the place..)
Anyway to cut a long story short, after 72 hours of power failure and after endless fights with the 'hotline' of kahroba2 lobnan,they finally gave me the number of the head of the customer department there.. (yes it does exist).. The funny things is that instead of just repairing the damn thing(which they eventually did), he gave me his cell phone number and would call me at impossible hours to make sure that 'kol shi 3ala zao2i'!!!!!!!!! Why can't our istitutions even pretend to be just plain professional institutions? why does it have to become personal with endless ~winks~ and habib albizzz? 3agabi..

Unknown said...

Eternal dilemma between sticking to what we know is right/moral/good citizenship and to what can make our life easier. Getting scremed on by the driver going the wrong way up a one -way streeet because we refuse to budge and insist it is our right to go forward... and mostly acknowledging that although we all dream of being responsible citizens, in this case it really takes a majority to make a difference... and we are the minority.

Lujayn said...

i loved it! written so beautifully, muzna. made me want to go and grab the minister concerned and shake him until he understood that he couldnt hold a candle to your ethics, however much he cut off the electricity!

ُTHALAMUS said...

"فليسقط واحد من فوق "

Anonymous said...

إحلمي مزنة حبيبتي،

هذه هي المساحة المتاحة لنا، والحق الذي لا يمكن لأحد انتزاعه منا. في كل مرة ارى شيئا مما تقولين أتذكر اغنية محمد منير "لو بطلنا نحلم نموت... شوية صبر على حتة حماس... يبقى الحلم صورة وصوت" المقصود ليس حماس الشهيرة التي نعرفها جميعا.. بل هذا الحس الذي يجعلنا نستيقظ كل صباح ونمارس حياتنا... ونحلم "بمجتمع صحي، بسلطة تدير شؤوننا دون فساد، بالعدالة وحكم القانون، وبفلسطين حرة" إحلمي يا مزونتي ولا تفقدي الحماس فلا بد أن تتغير الأشياء...لا شيء سيبقى على حاله للأبد؟ قطعة جميلة

Muzna said...

مها، نسيت طبعاً ان اذكر محاولتنا للوصول الى عامل شركة الكهرباء - الذي يعرفه ابو طلال طبعاً شخصياً - ولكن يبدو ان العمل خلال شهر رمضان لا يناسبه.

اما بالنسبة للمواطنه اللحلم ومحاولات التغيير، تساؤلي هو بما اننا بهذا العند والتزام، لماذا لم نفلح حتى الآن (واتكلم عن جيلنا، المواطن الرافض لمخالفة قوانين السير مثلاً) في احداث تغيير فعلي؟ لا أظن ان "سقوط واحد من فوق" او ادعائنا كافراد اننا لا نخالف القانون يكفي، ولا حتى الحلم. جل ما أريده هو وصول الكهرباء الى منزلي، كما منازل غيري، وابحث، كما الكثير عن اجدى السبل لضمان ذلك (من فوق ومن تحت، بالمواطنه وبالثورة، وبالالتزام الفردي كما العمل الجماعي) والباب مفتوح طبعاً لاقتراحاتكم

Sawsan said...

فظيعة - كتثير حلوة كتير..أنا اساسا دائما معجبة بكتاباتك او احسن فيك كلك!!
You are so beautifuly and eloquently expressing the feelings and thoughts of many of us. I am jealous, I wish I have your skills ya ..."enthusiast' inti!!

Sami said...

I have high speed internet and 24 hour electricity in my neighborhood. You should come live here. it is not too far from "beirut al-idariyeh" :p

On a more serious note, you realize that if the cell phone bills are high, the electricity bills are even higher! You paid about $70 and you didn't even get 24 hours electricity. If you had a generator then you would have paid an extra $20-30 a month minimum. Wow! And no one says anything. Has there ever been a protest in front of the electricity company in gemeryzeh? Has there ever been riots (not politicized ones like in May 2008)?

Muzna said...

Sami,

where do you live? do you have an extra room? I am planning on moving in as you can see..
.. and yes, the cell phone service suffers the same ills of electricity, so does the internet, public transportation, etc. Though I am not sure riots are what we should be planning, this is such a maze of corruption and clientelism that should be worked on piece by piece over a long period of time.. My view is that we have been doing reactionary work at moments when we are fed up, which does not change things and can be easily dismissed (or manipulated by politicians). Maybe a campaign that is at least a year long that seeks for example to ensure better maintenance, or to hold responsible the huge electricity users who don't pay their bills (like some of our dear politicians..).. what do you think?

and Sawsan, thanks as always for your "i3jab" .. I know you too can write beautifully.. maybe send me song lyrics I can post on this blog?

Georges Salameh said...

I guess the only way to comment your story
is this post: http://wp.me/px7bs-dZ
and of course read it again when the electricity comes back...

beirut september 2009