كل الحق على ايلي حبيقه


بما ان لغز انقطاع الكهرباء ما زال معلق - كما اسلاك سرقة الكهرباء من الجيران- ما بين البواخر، والجباية، وتجار المولدات والمازوت، يتبدى لي، ان المسؤولية كاملة، ومن دون ادنى شك، تقع على كاهل وزير الموارد المائية والكهربائية السابق ايلي حبيقة.  ومع ان خبرات وتجارب العديد من وزرائنا السابقين واللاحقين تتشابه وتجربة السيد حبيقة فإن المسؤولية تقع طبعاً عليه دون غيره، لأنه اولاً، خدم الفترة الأطول في الوزارة، كما انه ثانياً، وزير الطاقة الوحيد، منذ العام ١٩٩٠، الذي انتقل الى رحمة ربه (مما يسمح بتقييم ادائه، وفقاً لأصول محاسبة الزعماء في لبنان).

من يذكر منكم بدايات مرحلة "اعادة الأعمار" بعد انتهاء حربنا الأهلية الأطول واتفاقنا طائفياً (نسبة الى مدينة الطائف طبعاً) على الغفران والمصالحة (فيما بين زعمائنا قبل اي شيئ)، يدرك ان تصالحنا انتج فيما انتج، وزيراً للطاقة، علمته ميادين الاقتتال الداخلي ادارة الوزارات والمصالح العامة، بما يتناسب وحجم مسوولية اعادة الكهرباء الى البلاد. ويصح القول ان الوزير السابق ارسى البنيان الذي على اساسه تعمل الوزارة اليوم، وتُتحفنا كما باقي مؤسسات الدولة بإنجازاتها. 

قبل ايام، وانا احاول التسكع في احد اسواق بيروت، ادركت مدى استفادتنا من تجاربنا السابقة في ادارة اوضاعنا، وارتباطنا المستمر بعراقة ماضينا، حين ذكرتني عتمة ورطوبة المحلات التجارية المنقطعة فيها الكهرباء، وأصوات المولدات الصغيرة الممتدة في الشارع التجاري المسمى سياحي، بالأعوام الأخيرة من الحرب اللبنانية. حتى الوجوه التي افرغها حر آب من تعابيرها، بدت كأنها لبائعين ما زالوا على حالهم منذ عام ١٩٨٧، ينتظرون عودة الكهرباء. المهارات التي تعلمناها في حربنا سيئة الذكر لم تذهب سدى، واليوم نحن قادرين على ايجاد الحلول "الفردية"، لمشاكلنا العامة باتقان نُحسد عليه. فكل مواطن لبناني،  تخطى مرحلة اضاءة الشموع عند انقطاع الكهرباء، ويعرف على الأقل كيف يشغل مولداً صغيراً، وكيف يستخدم بطارية سيارته ليشاهد المسلسل الرمضاني، وان لزم الأمر، كيف يمكنه ان "يمد بريز" برضاً من جاره او عدمه. 

ربما لم يكن ليتسنى لنا الحفاظ على تراثنا المعرفي في مجال الكهرباء وانقطاعها، لو اننا قمنا يومها، كما طالب البعض، بمحاكمة مجرمي الحرب على ما ارتكبوه من مجازر تعود ذكرى احداها هذا الشهر، ولربما حرمنا الاستفادة من خبرات الوزير حبيقة لو ان مطالبنا بكشف مصير ما يزيد على السبعة عشر الف مفقود في الحرب اللبنانية، استجيب لها في حينها.